12 - 05 - 2025

عاصفة بوح| أيامنا وأيامهم

عاصفة بوح| أيامنا وأيامهم

نعم اتذكره بكل تفاصيله، حيث الأمل كان صبيا وناضجا فى آن واحد.. والتفاؤل يصاحبنا فى الدنيا معروفا.. والثقة المفرطة تأخذ بيدينا فى كل المواجهات تطمئننا بأننا فعلا نستطيع.. والمستقبل ممتد أمامنا ترسمه أناملنا بخيال قادر على تحقيق كل ما نصبو به حتى نكون جديرين بأحفاد البنائين العظماء.. فراعنة مصر!

فاكرة زمان، لما كانت الحياة رحلة ممتعة بإيقاعها الهادىء، مليئة بالأحباب والأصحاب، بلغتنا الجميلة فخرنا وعزتنا قبل أن يخجل منها الجهلاء ويفضلون عليها لغات الأعداء فى استكبار جعلنا فرجة للعالمين.

فاكرة زمان لما أخرج لنا التعليم الحكومي الموهوبين والعباقرة ولم نكن وقعنا بعد في فخ التعليم الدولى الذي يغتال الانتماء ويهين تاريخ الوطن  

فاكره، لما كان للمعلم هيبة وإنسانية وكان نموذجا وقدوة وكتفا نتكيء عليه فى الملمات ونتذكره عندما نكبر ونقول له أستاذنا العزيز.. شكرا!

فاكرة، حين نلنا حق الحب فى العلانية وليس فى الخفاء، واعتبرناه سبيلنا الوحيد للزواج، اختيار قلب لا يعادى العقل ولكنه يتناغم معه ويتزاوجآ  ويطمئن.. لم نكن نحسبها بالأرقام ولا المصلحة، إلا فيما ندر بالقطع، ولكنها المودة والرغبة الحلال والسند الذى يحمى والجدعنةآ  الحاضرة بلا ضجيج ولا افتعال، إنما هو نهر العلاقات السوية التى تشربناها صغارا من الأم والأب والخال والعم، ضفيرة حية من العلاقات الأسرية والإنسانية التى تصل لسابع جار، حتى تفهمنا قول الرسول الكريم الذى كاد ان يورث الجار من القرب و المحبة والعشرة الحلوة!

فاكره، لما أيدنا ثورتنا الأولى، وكانت الآمال العظيمة عندما قالوا لنا "ارفع رأسك يا أخي.. لقد انتهى عهد الطغيان" ولأول مرة فى التاريخ نرى بأعيننا انحيازهم للبسطاء والفقراء والمحرومين، وجدنا من يعمل بجد لنهضة الأمة، صناعة وزراعة وثقافة، أما التعليم فاصبح حقا معلوما للبسطاء والمحتاجين كالهواء والماء، وعاصرنا أيضا أسباب النكسة وأدركنا أنه لاصيانة للثورات إلا بالحريات والديموقراطية وعاصرنا أيضا نهاية كذبة الديكتاتور العادل، فالعدل والديكتاتورية لا ينسجمان ومن كعب أخيل الثورة تم الانقضاض عليها والانقلاب على كل مكاسبها ومحوها بأستيكة "انفتاح السداح مداح" وكل أوراق اللعبة فى يد الاعداء.. ومن نفس الكعب انقلبوا على ثورة الأبناء وكرروا أخطاء زمان!

فاكره زمان، لما كان العام والخاص ينصهران فى القلوب قبل العقول والهجرة كانت كلمة نابية قبل أن تكون غريبة فى قاموس الارتباط بأرضنا العطشى لأبنائها، ولمن يرويها بالتنمية وخلق حياة جديرة بالمصريين. كنا نرى الهروب منها خيانة، فلم تكن أسبابها والحاجة الملحة إليها كما هى الآن واضحة ومؤلمة فى واقعيتها المرة.

حتى عندما أفقنا من وهم الحاكم الملهم والعادل وأعدنا التقييم وكشفنا المستور، لم يحل ذلك دون ارتباطنا بالوطن، ورغبتنا و قدرتنا على تغييره آ من الداخل دون أن نخذله باليأس والهروب. 

بالطبع لم نتخيل فى أسوأ كوابيسنا أن يتم الانقلاب على كل أمانى الشعب، وتصبح الهجرة فرض عين وليس اختيارا بسبب ظروف لم تمر على المصريين من قبل، ولكنه عصر الخذلان العظيم، من حكام تفوقوا على كل أزمنة القهر والتفريط، وشعوب جبنت عن دفع ثمن حريتهت وإعلان فطامها من العبودية.
 -------------------

بقلم: وفاء الشيشيني

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة